عقيدة ءال البيت من علماء بيروت الأشراف

1 ـ سماحة الشيخ المفتي الشيخ عبد اللطيف فتح الله الحسني

نُعَرّج على سيرة واحد من المفاتي الذين عرفتهم مدينة بيروت وهو سماحة المفتي القاضي الأديب الشيخ عبد اللطيف ابن العلامة المفتي الشيخ علي نور الدين بن حمزة أفندي المشهور بفتح الله البيروتي الحسني الحنفي.

ترجمته

ولد في بيروت سنة 1180هـ = 1766ر، ونشأ على حب العلم فتلقى علم الدين عن والده المفتي الشيخ علي أفندي فتح الله. وتعلم فنون الشعر من الشيخ أحمد البربير الذي تلقى عنده «شرح الخرزجية» في العروض وغيره من المتون، فصار ينظم الشعر وهو في الثالثة عشرة.

سافر إلى دمشق ليتلقى العلوم الدينية فأخذها عن علماء وبقي فيها نحو سبعة أعوام يطلب العلم ويروي عن الأئمة الأعلام. وكان من جملة مشايخه: الشيخ بدر الدين مصطفى القادري، الشيخ شمس الدين محمد الكزبري، الشيخ علي بن محمد بن عثمان الشمعة، الشيخ أحمد بن عبيد العطار مسند الشام، الحافظ اللغوي السيد محمد مرتضى الزبيدي الحسيني شارح القاموس وكثيرون غيرهم.

بعد عودته من دمشق إلى بيروت أسند إليه أحمد باشا البشناقي الشهير بالجزار مهمة مفتي بيروت، سنة 1209هـ = 1794ر، وتولى إلى جانب ذلك منصب القضاء، ولكن الشيخ حاول الاستعفاء من منصب الإفتاء والقضاء لأنه وجد فيهما ما يسبب له التعب، فراح ينظم الأشعار التي تعبر عن رغبته في ترك هذين المنصبين وطلب من ولي الأمر إعفاءه فلم يوافق على ذلك، فبقي المفتي في هذا المنصب مدة اثنتي عشرة سنة أي إلى سنة 1221هـ = 1806ر، وبعد أن خلفه في منصب الإفتاء واحد من عائلته هو الشيخ محمد المفتي. وقد اشتهرت عائلته بآل المفتي لتوليه المنصب المذكور. وبقي هذا الاسم إلى يومنا هذا.

توفي – رحمه الله – في بيروت سنة 1260هـ = 1844ر، فكان لذلك أثر كبير على أهل بيروت، إذ فقدوا واحدًا من العلماء الأفذاذ الذين تمرسوا في العديد من العلوم الدينية والأدبية.

ودفن في جبانة الباشورة وقيل إنه دفن في دمشق.

وقد رثاه الشيخ يوسف الأسير الصيداوي نزيل بيروت بقوله:

هذا ضريـح ضِمْنـه سيـد * لآل فتح الله يُنمي شـريـف

في عصره قد كان علامـة * صاحب فضل ومقـام منيف

والآن أصبـح في بـرزخ * ضيفًا لمولاه ونعـم المضيف

يرجى له رضـوانـه دائمًا * لأنــه هـاد تقـي عفيـف

وعن لسان الحـال أرّخ يفي * في جنة الفردوس عبد اللطيف

والشطر الأخير يشير إلى سنة 1260هـ على حساب الجُمَّل، وهي سنة وفاته كما أشرنا.

وقد ترك – رحمه الله – مؤلفات عدة كان أشهرها ديوانه الذي طبع في بيروت سنة 1984ر بتحقيق زهير فتح الله ومراجعة الأستاذ محمد الحجيري. ويحتوي الديوان على قصائد وموشحات ومقطوعات شعرية، كما يتضمن ثلاث رسائل هي:

1 ـ درر التحقيقات في تسمية الله تعالى بالشىء والذات.

2 ـ مسك الأقلام في أن السودان من أولاد حام.

3 ـ الزلال المسلمسل في بحر السلسل.

ــ عقيدة ءال البيت:

كان – رحمه الله – كما كان غيره من علماء بيروت الأجلاء رضوان الله عليهم، على العقيدة التي لخصها الإمام الجليل أبو الحسن الأشعري شيخ أهل السنة. وفيما يلي بيان أن عقيدته هذه هي التي تلقاها مجدد هذا العصر الحافظ العلامة الشيخ عبد الله الهرري الحبشي حفظه الله عن مشايخه ونشرها في الآفاق بين مريديه وأحبائه، وأنه لم يخرج في اعتقاده عما عهده أهل بيروت على مر العصور الإسلامية وتوارثوه كابرًا عن كابر.

يورد المفتي – رضي الله عنه – في ديوانه بعض الأبيات لصاحب «بدء الأمالي" ومن جملتها قوله:

نسمـي الله شيئًا لا كالأشيـا وذاتًا عن جهات الست خالي

وفي كلامه في توحيد الله يقول المفتي – رحمه الله – في ديوانه ما نصه: «لأنه تعالى لا يماثله أحد من الموجود الحادث في وجوب الوجود، ولا في الألوهية واستحقاق العبادة واستحقاق جميع المحامد، ولا في غير ذلك من باقي صفاته تعالى: من إحاطة علمه تعالى بالواجبات والجائزات والمستحيلات جميعها، في الأزل وفيما لا يزال، مع عدم سبق جهل بشىء من ذلك».

ويقول المفتي – رحمه الله – في ديوانه: «ومِنْ تعلق قدرته القديمة بالإيجاد والإعدام على وفق إرادته جل وعلا، مع عموم تعلقها بكل الممكنات».

وفي تنزيه الله عن الشبيه يقول المفتي عبد اللطيف فتح الله ما نصه: «فهو جل وتقدس مغاير لجميع الأشياء أزلاً وأبدًا... ونسميه ذاتًا لا كسائر الذوات، كما أشار إليه بقوله: عن الجهات الست خالي؛ لأن حقيقته تعالى مخالف لسائر الحقائق والذوات كما أن صفاته تعالى مخالفة لسائر الصفات».