الإيمانُ بالكُتُبِ السماوية
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل الطويل (( الإيمانُ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه.. الحديثَ )) الكتبُ السماويةُ نزلَ بها جبريلُ على أنبياءِ الله وأشهرها أربعه التوراةُ والإنجيلُ والزبور والقرءان وهو أفضلها وهذه الكتبُ أخذها جبريلُ من اللوح المحفوظ , والتوراةُ أنزل على موسى والإنجيلُ على عيسى والزبور على داود وفيهِ حِكمٌ ومواعظ والقرءانُ أنزِل على محمد صلى الله عليه وسلم, والكلامُ الذي في هذه الكتب ليس عينَ الكلام الذاتي القائم بذاتِ الله إنما هو عباراتٌ عن ذلك الكلام فالعبارة شئ والمعبرُ عنه شئ ءاخر العبارة التي هي حرفٌ وصوت ولغة مكتوبة في اللوحِ المحفوظ وقرأها جبريل على الأنبياء لا شك أنها مخلوقة حادثة أما ماعَبرت عنه وهو كلامُ الله الواحد الأزلي الأبدي فهو ليس ككلام العالمين
ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ وَالْعَقْلِيِّ إِثْبَاتُ صِفَةِ الْكَلامِ للهِ، قَالَ اللهُ تعالى " وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيمًا " [سورة النساء، 164] وَفي لُغَةِ الْعَرَبِ إِذَا أُكِّدَ الْفِعْلُ بِالْمَصْدَرِ أَفَادَ تَأكِيدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ وعدم المجاز وَتَكْلِيمًا مَصْدَرُ كَلَّمَ لأَنَّ الْمَصْدَرَ هُوَ الَّذِي يأتي ثَالِثًا في تَصْرِيفِ الْفِعْلِ. وَالدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ عَلَى ثُبُوتِ الْكَلامِ للهِ تعالى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا لَكَانَ أَبْكَمَ وَالْبَكَمُ نَقْصٌ وَالنَّقْصُ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللهِ.
وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى وَحْدَةِ كَلام اللهِ تعالى أَيْ أَنَّ كَلامَ اللهِ الَّذِي هُوَ صِفَتُهُ كَلامٌ وَاحِدٌ لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلا لُغَةً وَلا مُبَعَّضًا، وَقَدْ قَالَ إِنَّ كَلامَ اللهِ وَاحِدٌ الإمَامُ أَبُو عَلِيّ السَّكُونِيُّ الإشْبِيلِيُّ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ وَحْدَةَ الْكَلامِ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ في كِتَابَيْنِ مِنْ كُتُبِهِ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللهَ تعالى صِفَاتُهُ لا تُشْبِهُ صِفَاتِ خَلْقِهِ فَاللهُ مُتَكَلِّمٌ بِكَلامٍ لَيْسَ حَرْفًا وَلا صَوْتًا وَلا لُغَةً لأَنَّ الْكَلامَ الَّذِي يَكُونُ بِالْحَرْفِ والصَّوْتِ وَاللُّغَةِ مَخْلُوقٌ وَاللهُ لا يَتَّصِفُ بِحَادِثٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِ الْحَرْفِ أَنَّ الْحَرْفَ يَدْخُلُهُ التَّعَاقُبُ وَهُوَ حُدُوثُ شَىْءٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ حَادِثًا وَعَدَمُهُ بَعْدَ حَدُوثِهِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ في الْحُرُوفِ فَإِنَّ مَنْ نَطَقَ بِـ " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم " إِذَا نَطَقَ بِالسِّينِ انْتَفَتِ الْبَاءُ وَهَكَذَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِ اللُّغَاتِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً ثُمَّ صَارَتْ مَوْجُودَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِ الصَّوْتِ أَنَّهُ يَكُونُ مِن اصْطِكَاكِ الأَجْرَامِ وَانْسِلالِ الْهَوَاءِ، قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في كِتَابِهِ الْفِقْهُ الأَكْبَرُ "نَحْنُ نَتَكَلَّمُ بِالآلآتِ وَالْحُرُوفِ وَاللهُ يَتَكَلَّمُ بِلا ءالَةٍ وَلا حَرْفٍ" اهـ. وَالآلآتُ هِيَ مَخَارِجُ الْحُرُوفِ كَالشَّفَتَيْنِ.